لماذا لقب الجاحظ بهذا الاسم

كتابة : سارة الزعبي بتاريخ : 13 يناير 2024 , 04:45 آخر تحديث : أبريل 2022 , 03:49

لماذا لقب الجاحظ بهذا الاسم ؟ هو أحد أكثر الأسئلة شيوعًا وسط دارسي الأدب العربي ومحبيه نظرًا لكون الكثيرين منهم يقرأون مقاطعًا من أدب الجاحظ وشعره فيعجبون به ويبحثون عن اسم هذا الشاعر المتمكن فيفاجئون بلقبه الغريب  “الجاحظ” فيتعجبون لماذا لقب هذا الأديب الملهم بهذا اللقب الغريب، على الرغم من أن له اسما طبيعيًا عربيًا جميلًا هو عمرو وأن كنيته أبو عثمان.

لماذا لقب الجاحظ بهذا الاسم

لقب الجاحظ بهذا الاسم بسبب جحوظ عينيه ووجود نتوءات على حدقتيهما مما منحه مظهرًا مخيفًا وجاحظًا، وقد أدى جحوظ عينيه إلى تسميته باسم أخر هو الحدقي لكن هذا الاسم لم يشتهر مثلما اشتهر اسم الجاحظ، واسم الجاحظ الأصلي هو عمرو بن بحر الكناني وكنيته أبو عثمان نسبة لأكبر أبنائه الذكور.

وصف شكل الجاحظ

لم يصلنا الكثير من أوصاف الجاحظ لكن ما نعرفه عنه أنه كان شديد سمار البشرة، قصير القامة، صغير الرأس والأذنين، وكان عنقه شديد الدقة، وكانت عينيه جاحظتان وفي قرنيته نتوءات، وقد وصف أحد أعداء الجاحظ شكله في أبيات من الشعر يسخر منه فيها فقال

لو يمسخ الخنزير مسخًا ثانيًا

          ما كان إلا دون قبح الجاحظ

رجل ينوب عن الجحيم بقبحه

          وهو القذى في عين كل ملاحظ

معلومات عامة عن الجاحظ

ولد الجاحظ عام سبعمائة وخمسة وسبعين ميلاديًا في مدينة البصرة بالعراق وكان طفلًا محبًا للعلم والأدب وسريع الحفظ ومتكلمًا ذكيًا حتى أن الناس لم يكونوا يروه إلا وفي يده كتابًا وهو ما جعله مؤهلًا ليكون أحد أبرز شعراء العصر العباسي الذين اشتهروا وذاع صيتهم، وقد اختلف في وفاة الجاحظ فقال بعض الناس أنه مات عندما كان يحضر كتابًا في مكتبة عالية فسقطت الكتب على رأسه فقتلته، وقال البعض أنه لم يمت حين وقعت الكتب على رأسه بل أصيب بالفالج وهو ما جعله قعيدًا فظل طريح الفراش واعتزل الناس حتى مات.[1]

بعض اقتباسات وأقوال الجاحظ

كان الجاحظ شاعرًا مُجيدًا وأديبا عظيمًا بالإضافة لكونه قد امتلك فلسفة خاصة ساخرة تأسر القلوب تظهر في الاقتباسات التي وصلتنا عنه ومنها ما يلي:-

لا مروءة لكذوب، ولا ورع لسيئ الخلق.

الكتاب هو الجليس الذي لا يطريك والصديق الذي لا يغريك. والرفيق الذي لا يملك والصاحب الذي لا يريد استخراج ما عندك بالتملق، ولا يعاملك بالمكر.

لا تجالس الحقير فإنه يعلق بك من مجالسته يومًا من الفساد ما يعلق من مجالسة العقلاء دهرًا من الصلاح، فإن الفساد أشد التحامًا بالطبائع.

تعرف حماقة الرجل في ثلاث، كلامه في ما لا يعنيه، وجوابه عما لا يُسأل عنه، وتهوره في الأمور.

شاهد أيضًا: من هو مؤلف كتاب البخلاء

أساتذة الجاحظ وثقافته

تتلمذ الجاحظ على يد سادة علوم عصره ففي اللغة العربية تعلم الجاحظ على يد أبي عبيدة والأخفش والأصمعي والفرزدق وأبي زيد الأنصاري، وفي علم الكلام تعلم على يد إبراهيم بن هانئ بن سيار وأبو هذيل العلاف ومويس بن عمران وضرار بن عمرو وبشر بن المعتمر الهلالي، وفي علم السنة والحديث تعلم الجاحظ على يد أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم القاضي ويزيد بن هارون والسري بن عبدربه وثمامة بن الأشرس والحجاج محمد بن عمرو، وقد لازم الجاحظ ثمامة بن الأشرس في بغداد.

كما أن الجاحظ قد قرأ العديد من الكتب المترجمة عن الأوردية والفارسية التي قيل أنه يتقنها لأنه قد أورد مقاطعًا في كتبه بالفارسية، كان الجاحظ شديد الثقافة يقضي ليله ونهاره في دكاكين الوراقين يقرأ الكتب حتي قال عنه المؤرخ ياقوت الحموي ” لم أر قط ولا سمعت من أحب الكتب والعلوم أكثر من الجاحظ، فإنه لم يقع بيده كتاب قط إلا استوفى قراءته كائنًا ما كان ولا عجب إذ ذاك في أن يفرد الصفحات الطوال مرات عدة في كتبه، للحديث عن فوائد الكتب وفضائلها ومحاسنها، والحق أنه كان أشبه بآلة مصورة، فليس هناك شيء يقرأه إلا ويرتسم في ذهنه، ويظل في ذاكرته آمادًا متطاولة”.[2]

مؤلفات الجاحظ

كان الجاحظ كاتبًا غزير الإنتاج حتى أن كتبه تزيد على الثلاثمائة وستين مجلدًا في شتي الموضوعات وأهمها ما يلي:-

  • كتاب البيان والتبيين: على أربعة أجزاء وهو كتاب لغوي يقوم فيه الجاحظ بوضع أساس جديد لعلم البيان وقواعد علم التعبير والبديع واللغة بشكل عام بناء على أفكار فلسفية.
  • كتاب الحيوان: على ثمانية أجزاء وهو أول كتاب وضع في اللغة العربية يتحدث عن علم الحيوان وطبائع الحيوان وعاداته وغرائزه بشكل مفصل، ويعد أعظم الكتب التي كتبها الجاحظ وأكبرها حجمًا.
  • وكتاب البخلاء: وقد كتبه الجاحظ مستندًا إلى شخصيات بعض البخلاء الذين قابلهم في حياته الشخصية، ويصور الجاحظ في الكتاب حياة البخلاء تصويرًا فكاهيًا مضحكًا.
  • كتاب المحاسن والأضداد: وهو كتاب فلسفي يتحدث فيه الجاحظ عن محاسن الأشياء من ناحية ومساوئها من ناحية أخري، ويتشابه كتاب المحاسن والأضداد مع منهج الفلاسفة السفسطائيين القدامى بشكل ما حيث كانوا يذكرون محاسن الأشياء ومساوئها بلا نهاية ولا هدف محدد.
  • كتاب التاج في أخلاق الملوك: يتحدث فيه الجاحظ عن حياة الملوك وأسلوب كلامهم، فهو بشكل ما كان نوعًا من الأدب الاجتماعي يحتوي على قصص من حياة الملوك ونوادرهم وطرائفهم.
  • وكتاب فضل السودان على البيضان: وقد كتبه الجاحظ ليعدد الرجال العظماء في التاريخ الذين كانت بشرتهم سوداء، ويرجع ذلك إلى احتدام الصراع العنصري في حياة الجاحظ حيث كان البيض يفضلون على السود وكان لون بشرة الجاحظ أسود.
  • رسائل الجاحظ: وهي ليست كتبًا بمعنى الكلمة وإنما هي رسائل طويلة يبحث فيها الجاحظ فيما يشغل باله بشكل فلسفي يقوم على منهجه في البحث العلمي من شك ونقد وتجربة حتي يصل في نهاية الرسالة إلى حقيقة الشيء الذي كان يبحث فيه.

منهج الجاحظ العلمي

كان منهج الجاحظ العلمي صارمًا شديد الصرامة لا يحيد فيه عن المنطق قيد أنمله ويرجع ذلك في المقام الأول لدراسته علم الفلسفة وعلم الكلام، وقد قام منهج الجاحظ العلمي على ثلاثة أركان هم:-

  • الشك: فقد كان الشك أحد أهم أسس منهج البحث العلمي عند الجاحظ حتى أنه قد قال عنه في بعض كتبه “واعرف مواضع الشك وحالاتها الموجبة لها لتعرف بها مواضع اليقين والحالات الموجبة لـه، وتعلم الشك في المشكوك فيه تعلمًا فلو لم يكن في ذلك إلا تعرف التوقف ثم التثبت، لقد كان ذلك مما يحتاج إليه، ثم اعلم أن الشك في طبقات عند جميعهم، ولم يجمعوا على أن اليقين طبقات في القوة والضعف” فقد كان الجاحظ يرى أن الشك هو الطريق الوحيد الموصل للحقيقة فبدون الشك لا يكون لأي شيء معني ولا قيمة إذ أنه قد يكون قد بني في أصله على قياسًا خاطئًا بينما نحن لا ندري هذا.
  • النقد: فقد كان الجاحظ يري أن لا شيء في العالم لا يخضع للنقد فكل العلوم والآراء والأفكار خاضعة للنقد والتمحيص فإما الموافقة عليها بعد ذلك أو تغييرها وقد تجلى رأيه هذا في كتاباته وأفكاره مما سبب له الكثير من العداوات.
  • التجريب والمعاينة: فبما أن الجاحظ كان يرى أن منهج الاستدلال العلمي يجب أن يقوم على الشك والنقد فإن الشك والنقد لم يكونا على إطلاقهما بل إننا نستعملهما للوصول إلى غاية محددة وهذه الغاية هي الحقيقة، ولا يمكن أن نصل للحقيقة بدون تجريب ومعاينة لكي نعرف الخطأ من الصواب والصلاح من الطلاح، وقد اعتمد الجاحظ هذا المبدأ في حياته فكان إذا احتار في أمر أجري التجارب والمعاينات ليعرف حقيقته وأصله.

شاهد أيضًا: من هو مؤلف كتاب البيان والتبيين

منهج الجاحظ في معرفة الحلال والحرام

كان الجاحظ عالمًا معتزليًا صميمًا يؤمن أن الحلال والحرام يدركان بكتاب الله وبسنة نبيه وبعقل الإنسان، وبناء على كونه معتزلي فقد رفض أن يجعل من الأدلة على الحرام والحلال عمل أهل المدينة لأنهم يمكن أن يصيبوا ويخطئوا وقدم العقل على عملهم كما هاجم النقليين الذين يحفظون النصوص ولا ينتقدونها أبدًا.[3]

وفي النهاية نكون قد عرفنا لماذا لقب الجاحظ بهذا الاسم حيث كان الجاحظ ولا زال أحد الشخصيات البارزة والمشرفة في التاريخ الإسلامي وتبوأ منزلة أدبية وعلمية عظيمة بجانب كبار العلماء والفلاسفة العرب مثل ابن سينا وابن الهيثم والغزالي، ويكفيه تشريفًا أن منهجه في البحث العلمي ما زال معمولًا به حتى الأن بعد مضي ما يقارب الألف عام.

المراجع

  1. ^
    abjjad.com , عمرو بن بحر الجاحظ , 6-7-2021
  2. ^
    m.marefa.org , الجاحظ , 6-7-2021
  3. ^
    wikiwand.com , الجاحظ , 6-7-2021

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *